الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَقَالَ مُوسَى} أي لقومه لما سمع بكلامه.{إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} صدر الكلام بأن تأكيدًا وإشعارًا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية، وإضافته إليه وإليهم حثًا لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإِجابة، ولم يسم فرعون وذكر وصفًا يعمه وغيره لتعميم الإِستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {عُذْتُ} فيه وفي سورة الدخان بالإِدغام وعن نافع مثله.{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} من أقاربه. وقيل {مِنْ} متعلق بقوله: {يَكْتُمُ إيمانه} والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم.{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} أتقصدون قتله.{أَن يَقُولَ} لأن يقول، أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره.{رَبّىَ الله} وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد.{وَقَدْ جَاءكُمْ بالبينات} المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات.{مّن رَّبّكُمْ} أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجًا عليهم واستدراجًا لهم إلى الاعتراف به، ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال: {وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله.{وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} فلا أقل من أن يصيبكم بعضه، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإِنصاف وعدم التعصب، ولذلك قدم كونه كاذبًا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده، كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالًا عندهم وتفسير ال {بَعْضُ} بالكل كقول لبيد:
مردود لأنه أراد بال {بَعْضُ} نفسه.{إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} احتجاج ثالث ذو وجهين:أحدهما: أنه لو كان مسرفًا كذابًا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات.وثانيهما: أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله. ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم، وعرض به لفرعون بأنه {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة.{ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين} غالبين عالين.{فِى الأرض} أرض مصر.{فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَاءَنَا} أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد، وإنما أدرج نفسه في الضميرين لأنه كان منهم في القرابة وليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم.{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ} ما أشير عليكم.{إِلاَّ مَا أرى} وأستصوبه من قتله وما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب وقلبي ولساني متواطئان عليه.{وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} طريق الصواب، وقرئ بالتشديد على أنه فعال للمبالغة من رشد كعلام، أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو بالنسبة إلى الرشد كعواج وبتات.{وَقَالَ الذي ءَامَنَ ياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} في تكذيبه والتعريض له.{مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب} مثل أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم، وجمع {الأحزاب} مع التفسير أغنى عن جمع {اليوم}.{مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} مثل جزاء ما كانوا عليه دائبًا من الكفر وإيذاء الرسل.{والذين مِن بَعْدِهِمْ} كقوم لوط.{وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لّلْعِبَادِ} فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام، وهو أبلغ من قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم.{وياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد} يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضًا للاستغاثة، أو يتصايحون بالويل والثبور، أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكي في الأعراف. وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} {يَوْمَ تُوَلُّونَ} عن الموقف.{مُّدْبِرِينَ} منصرفين عنه إلى النار. وقيل فارين عنها.{مَا لَكُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} يعصمكم من عذابه.{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ} يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى، أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف.{مِن قَبْلُ} من قبل موسى.{بالبينات} بالمعجزات.{فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مِّمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} من الدين.{حتى إِذَا هَلَكَ} مات.{قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده، أو جزمًا بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته، وقرئ {ألن يبعث الله} على أن بعضهم يقرر بعضًا بنفي البعث.{كذلك} مثل ذلك الضلال.{يُضِلُّ الله} في العصيان.{مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد.{والذين يجادلون في ءايات الله} بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع.{بِغَيْرِ سلطان أتاهم} بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة.{كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله وَعِندَ الذين ءَامَنُواْ} فيه ضمير من وإفراده للفظ، ويجوز أن يكون {الذين آمنوا} مبتدأ وخبره {كَبُرَ} على حذف مضاف أي: وجدال الذين يجادلون كبر مقتًا أو بغير سلطان وفاعل {كَبُرَ} {كذلك} أي كبر مقتًا مثل ذلك الجدال فيكون قوله: {يَطْبَعُ الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ} استئنافًا للدلالة على الموجب لجدالهم.وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم: رأت عيني وسمعت أذني، أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر.{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياهامان ابن لِى صَرْحًا} بناء مكشوفًا عاليًا من صرح الشيء إذا ظهر.{لَّعَلّى أَبْلُغُ الأسباب} الطرق.{أسباب السموات} بيان لها أو في إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها.{فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى} عطف على {أَبْلُغُ}. وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصدًا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية، فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه، أو إن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على إطلاعه ووصوله إليه، وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان، وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه.{وَإِنّى لأَظُنُّهُ كاذبا} في دعوى الرسالة.{وكذلك} ومثل التزيين، {زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل} سبيل الرشاد، والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ زين بالفتح وبالتوسط الشيطان. وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو {وَصُدَّ} على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ في تَبَابٍ} أي خسار.{وَقَالَ الذي ءَامَنَ} يعني مؤمن آل فرعون. وقيل موسى عليه الصلاة والسلام.{ياقوم اتبعون أَهْدِكُمْ} بالدلالة.{سَبِيلَ الرشاد} سبيلًا يصل سالكه إلى المقصود، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.{ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ} تمتع يسير لسرعة زوالها.{وَإِنَّ الآخرة هي دَارُ القرار} لخلودها.{مَنْ عَمِلَ سَيّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} عدلًا من الله، وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها.{وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافًا مضاعفة فضلًا منه ورحمة، ولعل تقسيم العمال وجعل الجزاء جملة إسمية مصدرة باسم الإِشارة، وتفضيل الثواب لتغليب الرحمة، وجعل العمل عمدة والإِيمان حالًا للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك. اهـ.
|